فصل: دفنه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عثمان بن عفان **


 اختصاصه بكتابة الوحي

عن فاطمة بنت عبد الرحمن عن أمها أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقال‏:‏ إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان فإن الناس قد شتموه فقالت‏:‏ لعن اللَّه من لعنه، فواللَّه لقد كان عند نبي اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وأن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ لمسند ظهره إليَّ، وأن جبريل ليوحي إليه القرآن، وأنه ليقول له‏:‏ اكتب يا عثيم فما كان اللَّه لينزل تلك المنزلة إلا كريمًا على اللَّه ورسوله‏.‏ أخرجه أحمد وأخرجه الحاكم وقال‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ لعن اللَّه من لعنه، لا أحسبها قالت‏:‏ إلا ثلاث مرات، لقد رأيت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو مسند فخذه إلى عثمان، وإني لأمسح العرق عن جبين رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وأن الوحي لينزل عليه وأنه ليقول‏:‏ اكتب يا عثيم، فواللَّه ما كان اللَّه لينزل عبدًا من نبيه تلك المنزلة إلا كان عليه كريمًا‏)‏‏.‏

وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال‏:‏ كان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعثمان بين يديه، وكان كَاتبَ سر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏

  كراماته

‏[‏السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 131‏]‏‏.‏

عن نافع‏:‏ أن جهجاهًا الغفاري تناول عصا عثمان وكسرها على ركبته فأخذته الأكلة ‏[‏الأَكَلَة‏:‏ الحكَّة‏]‏ في رجله، وعن أبي قلابة، قال‏:‏ كنت في رفقة بالشام سمعت صوت رجل يقول‏:‏ يا ويلاه النار، وإذا رجل مقطوع اليدين والرجلين من الحقوين، أعمى العينين، منكبًا لوجهه، فسألته عن حاله فقال‏:‏ إني قد كنت ممن دخل على عثمان الدار، فلما دنوت منه صرخت زوجته فلطمتها فقال‏:‏ ‏(‏ما لك قطع اللَّه يديك ورجليك وأعمى عينيك وأدخلك النار‏)‏، فأخذتني رعدة عظيمة وخرجت هاربًا فأصابني ما ترى ولم يبق من دعائه إلا النار، قال‏:‏ فقلت له بعدًا لك وسحقًا، أخرجهما الملأ في سيرته، وعن مالك أنه قال‏:‏ كان عثمان مرَّ بحش كوكب ‏[‏حش كوكب‏:‏ موقع إلى جانب بقيع الغرقد بالمدينة‏]‏ فقال‏:‏ إنه سيدفن هنا رجل صالح فكان أول من دفن فيه‏.‏

 تجهيزه جيش العسرة

‏[‏السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 121‏]‏

يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 117‏]‏‏.‏

ندب رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ الناس إلى الخروج وأعلمهم المكان الذي يريد ليتأهبوا لذلك، وبعث إلى مكة وإلى قبائل العرب يستنفرهم وأمر الناس بالصدقة، وحثهم على النفقة والحملان، فجاءوا بصدقات كثيرة، فكان أول من جاء أبو بكر الصدِّيق ـ رضي اللَّه عنه ـ، فجاء بماله كله 40‏.‏4000 درهم فقال له ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏هل أبقيت لأهلك شيئًا‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ أبقيت لهم اللَّه ورسوله‏.‏ وجاء عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ بنصف ماله فسأله‏:‏ ‏(‏هل أبقيت لهم شيئًا‏؟‏‏)‏ ‏[‏رواه ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق ‏(‏1‏:‏ 11‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ قال‏:‏ نعم، نصف مالي‏.‏ وجاء عبد الرحمن بن عوف ـ رضي اللَّه عنه ـ بمائتي أوقية، وتصدق عاصم بن عَدِيّ ‏[‏هو عاصم بن عَدِيّ بن الجد البلوي، العجلاني، حليف الأنصار، صحابي، كان سيد بني عجلان، استخلفه رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ على العالية من المدينة، عاش عمرًا طويلًا، قيل‏:‏ 120 سنة، توفي سنة 45 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ الإصابة ترجمة 4346‏]‏‏.‏ بسبعين وسقًا من تمر، وجهَّز عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ أنفق عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها‏.‏ وقيل‏:‏ جاء عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول اللَّه فقبلها في حجر وهو يقول‏:‏ ‏(‏ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم‏)‏‏.‏ وقال رسول اللَّه‏:‏ ‏(‏من جهز جيش العُسرة فله الجنة‏)‏ ‏[‏رواه البخاري في كتاب فضائل الصحابة، باب‏:‏ مناقب عثمان بن عفان أبي عمر القرشي ـ رضي اللَّه عنه ـ‏]‏‏.‏

 حفره بئر رومة

‏[‏السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 121‏]‏

واشترى بئر رومة من اليهود بعشرين ألف درهم، وسبلها للمسلمين‏.‏ كان رسول اللَّه قد قال‏:‏ ‏(‏من حفر بئر رومة فله الجنة‏)‏ ‏[‏تذكرة الحفاظ ج 1/ص 9‏]‏ ‏[‏ص 30‏]‏‏.‏

وهذه البئر في عقيق المدينة‏:‏ روي عن النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏نعم القليب قليب المُزَني‏)‏، وهي التي اشتراها عثمان بن عفان فتصدق بها‏.‏ وروي عن موسى بن طلحة عن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ‏(‏نعم الحفير حفير المزني‏)‏ ـ يعني رومة ـ، فلما سمع عثمان ذلك ابتاع نصفها بمائة بكرة وتصدق بها على المسلمين فجعل الناس يستقون منها‏.‏ فلما رأى صاحبها أنه امتنع منه ما كان يصيب منها باعها من عثمان بشيء يسير فتصدق بها كلها‏.‏

 علمه وقراءته القرآن

‏[‏رواه ابن حجر العسقلاني في تغليق التعليق ‏(‏937‏)‏ ‏]‏‏.‏

كان عثمان أعلم الصحابة بالمناسك، وبعده ابن عمر‏.‏

وكان يحيي الليل، فيختم القرآن في ركعة، قالت امرأة عثمان حين قتل‏:‏ لقد قتلتموه وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة، وعن عطاء ابن أبي رباح‏:‏ ‏(‏إن عثمان بن عفان صلى بالناس، ثم قام خلف المقام، فجمع كتاب اللَّه في ركعة كانت وتره فسميت بالبتيراء‏)‏، وكان يضرب المثل به في التلاوة، أما عمر بن الخطاب فكان يضرب المثل به في قوة الهيبة، وعلي بن أبي طالب في القضاء‏.‏

  زيادته في المسجد النبوي

‏[‏أوردها ابن كثير في عام 26 هـ، والطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 606‏:‏ ‏(‏في عام 29 هـ، وسَّع عثمان الحرم وبناه بالفضة ـ الكلس ـ‏)‏، وكما ذكر ابن كثير ذلك في البداية والنهاية في الجزء السابع، السيوطي تاريخ الخلفاء ص 124‏]‏ ‏(‏سنة 29 هـ/ 650 م‏)‏‏:‏

كان المسجد النبوي على عهد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ مبنيًَّا باللبن وسقفه الجريد، وعمده خشب النخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئًا وزاد فيه عمرًا وبناه على بنائه في عهد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ باللبن والجريد وأعاد عمده خشبًا، ثم غيَّره عثمان، فزاد فيه زيادة كبيرة، وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والفضة، وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج، وجعل أبوابه على ما كانت أيام عمر ستة أبواب‏.‏

وروى يحيى عن المطلب بن عبد اللَّه بن حنطب قال‏:‏ لما ولي عثمان بن عفان سنة أربع وعشرين، كلَّمه الناس أن يزيد في مسجدهم، وشكوا إليه ضيقه يوم الجمعة، حتى إنهم ليصلون في الرحاب‏.‏ فشاور فيه عثمان أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فأجمعوا على أن يهدمه ‏[‏ص 31‏]‏ ويزيد فيه، فصلَّى الظهر بالناس، ثم صعد المنبر فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثم قال‏:‏ ‏(‏أيها الناس إني أردت أن أهدم مسجد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وأزيد فيه وأشهد أني سمعت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ يقول‏:‏ ‏(‏من بنى مسجدًا بنى اللَّه له بيتًا في الجنة‏)‏ ‏[‏رواه مسلم في كتاب المساجد، باب‏:‏ 24، والترمذي في كتاب الصلاة، باب‏:‏ 120، والبخاري في كتاب الصلاة، باب‏:‏ من بنى مسجدًا، وابن ماجه في كتاب الإقامة، باب‏:‏ من بنى مسجدًا، والدارمي في كتاب الصلاة، باب‏:‏ من بنى مسجدًا، وأحمد في ‏(‏م 1/ص 20‏)‏ ‏]‏، وقد كان لي فيه سلف، وإمام سبقني وتقدمني عمر بن الخطاب، كان قد زاد فيه وبناه، وقد شاورت أهل الرأي من أصحاب رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فأجمعوا على هدمه وبنائه وتوسيعه‏)‏، فحسن الناس يومئذ ذلك ودعوا له، فأصبح، فدعا العمال وباشر ذلك بنفسه، وكان رجلًا يصوم الدهر ويصلي الليل، وكان لا يخرج من المسجد، وأمر بالفضة المنخولة تعمل ببطن نخل، وكان أول عمله في شهر ربيع الأول من سنة 29 هـ، وفرغ منه حين دخلت السنة لهلال المحرم سنة 30 فكان عمله عشرة أشهر‏.‏

قال الحافظ ابن حجر‏:‏ كان بناء عثمان للمسجد سنة ثلاثين على المشهور‏.‏ وقيل‏:‏ في آخر سنة من خلافته‏.‏

وروى يحيى عن أفلح بن حميد عن أبيه قال‏:‏ لما أراد عثمان أن يكلم الناس على المنبر ويشاورهم قال له مروان بن الحكم ‏[‏هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، أبو عبد الملك، المولود سنة 2 هـ، خليفة أموي هو أوَّل من ملك من بني الحكم بن أبي العاص، وإليه ينسب بنو مروان، ودولتهم المروانية، ولد بمكة ونشأ بالطائف، سكن المدينة، فلما كانت أيام عثمان جعله خاصته واتخذه كاتبًا له، ولما قتل عثمان خرج مروان إلى البصرة مع طلحة والزبير وعائشة، يطالبون بدمه، وقاتل مروان في وقعة الجمل قتالًا شديدًا، وانهزم أصحابه فتوارى، شهد صفين مع معاوية، ثم أمنَّه علي فأتاه فبايعه، وانصرف إلى المدينة فأقام إلى أن ولي معاوية الخلافة، فولاه المدينة سنة ‏(‏42 هـ 49 هـ‏)‏، أخرجه منها عبد اللَّه بن الزبير، فسكن الشام، ولما ولي يزيد بن معاوية الخلافة وثب أهل المدينة على من فيها من بني أمية فأجلُّوهم إلى الشام، وكان فيهم مروان، ثم عاد إلى المدينة، وحدثت فتن كان من أنصارها، وانتقل إلى الشام مدة، ثم سكن تدمر، وبعد اعتزال معاوية بن يزيد الخلافة، دعا مروان إلى نفسه، فبايعه أهل الأردن سنة 64 هـ ودخل الشام فأحسن تدبيرها وولى ابنة عبد الملك على مصر بعد أن خرج لها بعد أن تفشَّت فيها البيعة لابن الزبير، ثم عاد إلى دمشق ولم يطل أمره، توفي سنة 65 هـ بالطاعون‏.‏ وقيل‏:‏ غطَّته زوجته أم خالد بالوسادة وهو نائم، فقتلته‏.‏ فدام حكمه تسعة أشهر و 18 يومًا، هو أوَّل من ضرب الدنانير الشامية وكتب عليها ‏{‏قل هو اللَّه أحد‏}‏ ‏[‏الإخلاص‏:‏ 1‏]‏‏.‏، وكان يلقب‏:‏ خَيْط باطل، لطول قامته واضطراب خَلْقِه‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ أسد الغابة ج 4/ص 348، التهذيب ج 10/ص 91، البدء والتاريخ ج 6/ص 19، تاريخ الخميس ج 2/ص 306‏.‏‏]‏‏:‏ فداك أبي وأمي، هذا أمر خير لو فعلته ولم تذكر لهم، ‏[‏ص 32‏]‏ فقال‏:‏ ويحك، إني أكره أن يروا أني أستبد عليهم بالأمور، قال مروان‏:‏ فهل رأيت عمر حين بناه وزاد فيه ذكر لهم‏؟‏ قال‏:‏ اسكت إن عمر اشتد عليهم فخافوه حتى لو أدخلهم في جحر ضب دخلوا، وإني لنت لهم، حتى أصبحت أخشاهم‏.‏ قال مروان بن الحكم‏:‏ فداك أبي وأمي لا يسمع هذا منك فيُجترأ عليك‏.‏

وقد جعل عثمان طول المسجد مائة وستين ذراعًا وعرضه مائة وخمسين‏.‏

  زيادته في المسجد الحرام

‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 595، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ص 481، السيوطي، تاريخ الخلفاء 123، الذهبي، تاريخ الإسلام ج 3/ص 315‏.‏‏]‏ ‏(‏سنة 26 هـ/ 647 م‏)‏‏:‏ كان المسجد الحرام فناء حول الكعبة، وفناء للطائفين، ولم يكن له على عهد النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وأبي بكر ـ رضي اللَّه عنه ـ جدار يحيط به، وكانت الدور محدقة به، وبين الدور أبواب يدخل الناس من كل ناحية، فلما استخلف عمر بن الخطاب ـ رضي اللَّه عنه ـ، وكثر الناس وسع المسجد واشترى دورًا وهدمها وزادها فيه واتخذ للمسجد جدارًا قصيرًا دون القامة، وكانت المصابيح توضع عليه، وكان عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ أول من اتخذ الجدار للمسجد الحرام‏.‏

فلما استخلف عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ ابتاع منازل ووسعه بها أيضًا، وبنى المسجد الحرام، والأروقة، فكان عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ أول من اتخذ للمسجد الأروقة ‏[‏ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 43‏]‏‏.‏ وكانت كسوة الكعبة في الجاهلية الأنطاع ‏[‏الأنطاع‏:‏ بُسط من الأديم أي الجلد‏]‏ والمغافر، فكساها رسول اللَّه الثياب اليمانية، ثم كساها عمر وعثمان القُباطي ‏[‏القُباطي‏:‏ ثياب من كتان نُسجت في مصر‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ قبط‏]‏‏.‏

  تحويل الساحل من الشعيبة إلى جدة

في سنة 26 هـ كلَّم أهل مكة عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ أن يحول الساحل من الشُعَيْبة، وهي ساحل مكة قديمًا في الجاهلية إلى ساحلها اليوم وهي جُدَّة لقربها من مكة‏.‏ فخرج عثمان إلى جدة ورأى موضعها، وأمر بتحويل الساحل إليها ودخل البحر ‏[‏ص 33‏]‏ واغتسل فيه وقال‏:‏ إنه مبارك، وقال لمن معه‏:‏ ادخلوا البحر للاغتسال، ولا يدخل أحد إلا بمئزر، ثم خرج من جدة على طريق عسفان إلى المدينة، وترك الناس ساحل الشعيبة في ذلك الزمان واستمرت جدة بندرًا إلى الآن لمكة المشرفة‏.‏

  أكل عثمان الليَّن من الطعام

عن عمرو بن أمية الضُمري، قال‏:‏ إن قريشًا كان من أسن منهم مولعًا بأكل الخزيرة ‏[‏الخزيرة‏:‏ اللحم البائت يقطَّع صغارًا في القدر، ثم يطبخ بالماء الكثير، والملح فإذا أميت طبخًا ذُرَّ عليه الدقيق فعصد به‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ خزر‏]‏، وإني كنت أتعشى مع عثمان خزيرًا من طِبْخ من أجود ما رأيت قط، فيها بطون الغنم وأدمها اللبن والسمن، فقال عثمان‏:‏ كيف ترى الطعام‏؟‏ فقلت‏:‏ هذا أطيب ما أكلت قط، فقال‏:‏ يرحم اللَّه ابن الخطاب، أكلتَ معه هذه الخزيرة قط ‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، فكادت اللقمة تفرث ‏[‏تفرث‏:‏ أي تتفتت‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ فرث‏]‏ بين يدي حين أهوي بها إلى فمي وليس فيها لحم، وكان أدمها السمن، ولا لبن فيها، فقال عثمان‏:‏ صدقت، إن عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ أتعب واللَّه من تبع أثره، وأنه كان يطلب بثنيه عن هذه الأمور ظَلفًَا ‏[‏الظلف‏:‏ الشدة والغلظ في المعيشة‏.‏ ‏[‏القاموس المحيط، مادة‏:‏ ظلف‏]‏‏.‏ أما واللَّه ما أكله من مال المسلمين ولكني أكله من مالي، أنت تعلم أني كنت أكثر قريش مالًا وأجدَّهم في التجارة، ولم أزل آكل من الطعام ما لان منه وقد بلغت سنًَّا، فأحب الطعام إليًّ ألينه ولا أعلم لأحد عليَّ في ذلك تبعة‏.‏

وعن عبد اللَّه بن عامر قال‏:‏ كنت أفطر مع عثمان في شهر رمضان، فكان يأتينا بطعام هو ألين من طعام عمر، قد رأيت على مائدة عثمان الدَّرَمك ‏[‏الدَّرَمَك‏:‏ هو دقيق الحواري، وهو تحريف الدرمق‏]‏ وصغار الضأن كل ليلة وما رأيت عمر قط أكل من الدقيق منخولًا، ولا أكل من الغنم إلا مسانَّها‏.‏ فقلت لعثمان في ذلك، فقال‏:‏ يرحم اللَّه عمر ومن يطيق ما كان عمر يطيق‏!‏‏.‏

  كرمه ـ رضي اللَّه عنه ـ

كان لعثمان على طلحة خمسون ألفًا، فخرج عثمان يومًا إلى المسجد فقال له طلحة‏:‏ قد تهيأ مالك فاقبضه‏.‏ قال‏:‏ هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك‏.‏

  بعض أحكامه

استخف رجل بالعباس بن عبد المطلب، فضربه عثمان، فاستحسن منه ذلك وقال‏:‏ أيفخم رسول اللَّه عمه وأرخص في الاستخفاف به، لقد خالف رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من فعل ذلك ورضي به‏.‏

وحدث بين الناس النشو ‏[‏النشو‏:‏ السُكر‏]‏، فأرسل عثمان يطوف عليهم فمنعهم من ذلك، ثم اشتد ذلك فأفشى الحدود ونبّأ ذلك عثمان، وشكاه إلى الناس، فاجتمعوا على أن يجلدوا في التنفيذ فأخذ نفر منهم وجلدوا‏.‏

وبلغ عثمان أن ابن ذي الحبكة النهدي يعالج نيْرنجًا ‏[‏النيرج‏:‏ نوع من السحر‏]‏ قال محمد بن سلمة‏:‏ إنما هو نيرنج، فأرسل إلى الوليد بن عقبة ليسأله عن ذلك فإن أقرَّ به أوجعه، فدعا به، فسأله، فقال‏:‏ إنما هو رفق وأمر يعجب منه، فأمر، فعُزِّرَ، وأخبر الناس خبره وقرأ عليهم كتاب عثمان‏:‏ ‏(‏إنه قد جُدّ بكم فعليكم بالجدّ وإياكم والهزّال‏)‏‏.‏ فكان الناس عليه وتعجبوا من عثمان على وقوف مثل خبره فغضب، فنفر في الذين نفروا‏.‏

  فراسته

دخل رجل على عثمان فقال له عثمان‏:‏ يدخل عليّ أحدكم والزنا في عينيه، فقال الرجل‏:‏ أَوَحْيٌ بعد رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏؟‏‏!‏ فقال‏:‏ لا، ولكن فراسة صادقة‏.‏

  أوليات عثمان

‏[‏السيوطي، تاريخ الخلفاء ص 131‏]‏

هو أول من رزق المؤذنين، وأول من ارتج عليه في الخطبة، وأول من قدَّم الخطبة في العيد على الصلاة، وأول من فوَّض إلى الناس إخراج زكاتهم، وأول من ولي الخلافة في حياة أمه، وأول من اتخذ صاحب شرطة، وأول من هاجر بأهله من هذه الأمة، وأول من جمع الناس على حرف واحد في القراءة، وأول من زاد النداء الثالث يوم الجمعة على الزوراء، وأول من نخل له الدقيق، وأول من أقطع القطائع، وأول من حمى الحمى لنعم الصدقة‏.‏

  حَجَّه ـ رضي اللَّه عنه ـ

‏[‏ابن الأثير الكامل في التاريخ ج 3/ص 70‏]‏‏:‏ ‏[‏ص 35‏]‏‏.‏

حجَّ عثمان بالناس سنوات خلافته كلها إلا آخر حجة، وحجَّ بأزواج النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ كما كان يصنع عمر‏.‏

  قتله

‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 689، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 58، وفي الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 690ـ 691‏:‏ ‏(‏قتل وهو ابن اثنتين وثمانين سنة‏)‏، ‏(‏خمس وسبعين سنة‏)‏، ‏(‏وثلاث وستين سنة‏)‏‏.‏

قتل عثمان يوم الجمعة 18 ذي الحجة سنة 35 من الهجرة ‏(‏يونيه سنة 656 م‏)‏ بعد العصر، وكان يومئذٍ صائمًا‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ قتل عثمان على رأس إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهرًا، واثنين وعشرين يومًا من مقتل عمر بن الخطاب، وعلى رأس خمس وعشرين من متوفى رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏

  دفنه

‏[‏الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 688، ابن الأثير، الكامل في التاريخ ج 3/ص 69‏]‏‏.‏

دفن في حش كوكب وقد كان اشتراه ووسع به البقيع، ليلة السبت بين المغرب والعشاء فصلَّى عليه جبير بن مطعم ‏[‏هو جبير بن مُطعم بن عديَّ بن نوفل بت عبد مناف، أبو سعيد، القرشي، المتوفى سنة 58 هـ‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب الكمال ج 1/ص 184، تهذيب التهذيب ج 2/ص 63، تقريب التهذيب ج 1/ص 125، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 161، الكاشف ج 1/ص 180، تاريخ البخاري الكبير ج 2/ص 225، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 6، الجرح والتعديل ج 2/ص 2113، تجريد أسماء الصحابة ج 1/ص 78، أُسد الغابة ج 1/ص 322، الإصابة ج 1/ص 462، الاستيعاب ج 1/ص 432، شذرات الذهب ج 1/ص 59، الوافي بالوفيات ج 11/ص 58، البداية والنهاية ج 8/ص 46، سير أعلام النبلاء ج 3/ص 95، الثقات ج 3/ص 50، أسماء الصحابة الرواة ترجمة 57، نقعة الصديان ترجمة 283‏]‏ وخلفه حكيم بن حِزام ‏[‏حكيم بن حِزام بن خويلد بن أسد بن عبد العُزَّى، أبو خالد، صحابي، قرشي، وهو ابن أخي خديجة أم المؤمنين، مولده بمكة في الكعبة، شهد حرب الفجار، كان صديقًا للنبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ قبل البعثة وبعدها، عمَّر طويلًا، قيل‏:‏ 120 سنة، توفي سنة 54 هـ بالمدينة، وفي وفاته خلاف قيل‏:‏ سنة 50 و 54 و 58 و 60، كان من سادات قريش في الجاهلية والإسلام، عالمًا بالنسب، أسلم يوم الفتح، وهو من قال الرسول ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ فيه يومئذٍ‏:‏ ‏"‏من دخل دار أبو سفيان فهو آمن، ومن دخل دار حكيم بن حِزام فهو آمن‏"‏‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ تهذيب الكمال ج 1/ص 317، تهذيب التهذيب ج 2/ص 447، تقريب التهذيب ج 1/ص 194، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 248، تاريخ البخاري الكبير ج 3/ص 11، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 102، الجرح والتعديل ج 3/ص 786، صفة الصفوة ج 1/ص 304، شذرات الذهب ج 1/ص 60‏]‏، وأبو جهم بن ‏[‏ص 36‏]‏ حذيفة ‏[‏هو عامر أو عمير، أبو عبيد بن حذيفة بن غانم، أبو جَهم، من قريش من بني عدي بن كعب، أحد المعمّرين، أسلم يوم فتح مكة، اشترك في بناء الكعبة مرتين، الأولى‏:‏ في الجاهلية، والثانية‏:‏ حين بناها ابن الزبير سنة 64 هـ، ومات في تلك الفينة سنة 70 هـ، وهو أحد الأربعة الذين دفنوا عثمان‏.‏ للاستزادة راجع‏:‏ نسب قريش ص 369، سمط اللآلى ص 539 والإصابة، الكنى، ترجمة 206‏]‏، وسيأتي تفصيل قتله ودفنه في آخر هذا الكتاب إن شاء اللَّه‏.‏

  ما خلف عثمان

كان لعثمان عند خازنه يوم قتل 30‏.‏500‏.‏000 درهم ومن الدنانير 100‏.‏50 أي ما يزيد عن 800‏.‏000 جنيه فانتهبت وذهبت، وترك 1000 بعير بالرَّبذة‏.‏ وترك صدقات بها براديس وخيبر ووادي القرى قيمة 10‏.‏000‏.‏000 دينار‏.‏

  صدقاته

عن ابن عباس قال‏:‏ قحط الناس في زمان أبي بكر‏.‏ فقال أبو بكر‏:‏ لا تمسون حتى يفرج اللَّه عنكم‏.‏ فلما كان من الغد جاء البشير إليه قال‏:‏ لقد قدمت لعثمان ألف راحلة برًَّا وطعامًا قال‏:‏ فغدا التجار على عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم وعليه ملاءة قد خالف بين طرفيها على عاتقه‏.‏ فقال لهم‏:‏ ما تريدون‏؟‏ قالوا‏:‏ قد بلغنا أنه قدم لك ألف راحلة برًَّا وطعامًا‏.‏ بعنا حتى نوسع به على فقراء المدينة، فقال لهم عثمان‏:‏ ادخلوا، فدخلوا، فإذا ألف وقر قد صدت في دار عثمان فقال لهم‏:‏ كم تربحوني على شرائي من الشام‏؟‏ قالوا‏:‏ العشرة اثني عشر‏.‏ قال‏:‏ قد زادوني‏.‏ قالوا‏:‏ العشرة أربعة عشر‏.‏ قال‏:‏ قد زادوني‏.‏ قالوا‏:‏ العشرة خمسة عشر‏.‏ قال‏:‏ قد زادوني قالوا‏:‏ من زادك ونحن تجار المدينة‏؟‏ قال‏:‏ زادوني بكل درهم عشرة‏.‏ هل عندكم زيادة‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏.‏ قال‏:‏ فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة‏.‏

  خوفه

كان لعثمان عبد فقال له‏:‏ إني كنت عركت أذنك فاقتص مني، فأخذ بأذنه ثم قال عثمان‏:‏ اشدد، يا حبذا قصاص في الدنيا لا قصاص في الآخرة‏.‏ وروي عنه أنه قال‏:‏ ‏(‏لو أني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير‏)‏

  ثناء عليٌّ عليه

قال عليٌّ ـ رضي اللَّه عنه ـ‏:‏ كان عثمان أوصلنا للرحم وأتقانا للرب‏.‏ وقال ـ رضي اللَّه عنه ـ‏:‏ أنا وطلحة والزبير وعثمان كما قال اللَّه تعالى‏:‏ ‏{‏ونَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ متَقَابِلِينَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 47‏]‏‏.‏ وسأله سائل عن عثمان بعد قتله فقال له‏:‏ إن عثمان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، واللَّه يحب المحسنين‏.‏

  الأحاديث الواردة في فضله

قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏

ـ1ـ ‏(‏اللَّهم إني رضيت عن عثمان فارض عنه‏)‏‏.‏

ـ2ـ ‏(‏غفر اللَّه لك يا عثمان ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما هو كائن إلى يوم القيامة‏)‏‏.‏

ـ3ـ ‏(‏عثمان أحيا أمتي وأكرمها‏)‏‏.‏

ـ4ـ ‏(‏عثمان في الجنة‏)‏‏.‏

ـ5ـ ‏(‏عثمان حيي تستحي منه الملائكة‏)‏‏.‏

ـ6ـ ‏(‏عثمان رفيقي معي في الجنة‏)‏‏.‏

ـ7ـ ‏(‏عثمان وليي في الدنيا والآخرة‏)‏‏.‏

ـ8ـ ‏(‏رحمك اللَّه يا عثمان ما أصبت من الدنيا، ولا أصابت منك‏)‏‏.‏

ـ9ـ ‏(‏يا عثمان إنك ستبلى بعدي فلا تقاتلن‏)‏‏.‏

  عثمان وأبو عبيدة

اختصم عثمان وأبو عبيدة عامر بن الجراح، فقال أبو عبيدة‏:‏ يا عثمان تخرج عليَّ في الكلام وأنا أفضل منك بثلاث‏.‏ فقال عثمان‏:‏ وما هن‏؟‏ قال‏:‏ الأولى إني كنت يوم البيعة حاضرًا وأنت غائب، والثانية شهدت بدرًا ولم تشهده، والثالثة كنت ممن ثبت يوم أحد ولم تثبت ‏[‏ص 38‏]‏ أنت‏.‏ فقال عثمان‏:‏ صدقت، أما يوم البيعة فإن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بعثني في حاجة ومدَّ يده عني، وقال‏:‏ هذه يد عثمان بن عفان وكانت يده الشريفة خيرًا من يدي‏.‏ وأما يوم بدر فإن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ استخلفني على المدينة، ولم يمكنني مخالفته، وكانت ابنته رقية مريضة واشتغلت بخدمتها حتى ماتت ودفنتها‏.‏ وأما انهزامي يوم أحد فإن اللَّه عفا عني وأضاف فعلي إلى الشيطان‏.‏ فقال تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ الذَّيِنَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّه عَنْهُمْ إنَّ اللَّه غَفُورٌ حَلِيم‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 155‏]‏ فخصمه عثمان وغلبه‏.‏